مضت فترة طويلة قبل أن امسك قلمي واخط هذه السطور …
شعرت في البداية أن بيني وبين هذا القلم جفاءً غريباً لا أدري كيف بدأ … ولا كيف سينتهي … !!!
فهو صديقي منذ أن تعلمت فن رصف المفردات … ومغازلة الكلمات … وانتزاع الأفكار وتحويلها الى حروف …
كنت قبل ذلك إذا أمسكت به أشعر بأنني فارس يمتطي جواداً تحضَّر للسباق لينطلق كالبرق … يجوب عباب الأفكار وينتقل من حجرة الى حجرة داخل الدماغ يبحث عن كلمات احتضنتها الذاكرة وحان قطافها … ويغور في بهو الشعور ليقطف ما لذ من الكلام وطاب …
ولا أنكر فضله حين أمسكت به بأصابع مرتجفة في الصف الأول من المرحلة الدراسية والخوف يملأ قلبي من المدرس وهو يعلمني فن الكتابة والمرور فوق الحروف في كتاب القراءة …
تغير قلمي على مدى السنين بتغير المرحلة فمن قلم الرصاص الى قلم الحبر السائل والجاف ولكن ذلك لم يغير من كونه أداة كتابة .
كنت أداعبه بين أصابعي وأدغدغ مشاعره فأحس كأنه طفل فطمته أمه وانشغلت عنه في أمور بيتها وتركته يلهو ويعبث فيما يحلو له وهو ينظر اليها باشتياق ويحاول التقرب منها بأي ثمن … علها تعيده الى صدرها فيشفي غليله .
لقد أتعبني هذا الجفاء الذي انتابني ومنعني من الكتابة طيلة تلك المدة …
حاولت معرفة الأسباب التي حالت بيني وبين قلمي … هل هي الظروف غيرا لمستقرة التي تمر بها المنطقة انتقلت عدواها الى قلمي فجفاني او انتقلت الى داخلي فجفيته … ؟؟؟
أم هو الانشغال في أمور الحياة التي لا تنتهي … فلا أجد الوقت الكافي للكتابة أو الإبداع والتعبير …
عدت الى قلمي وأمسكت به وهززته علني أعيد إليه الحياة … وتذكرت أنه مجرد أداة … تطيعك إذا امرتها بالتحرك وتستجيب لرغباتك في الحال دون تردد …
فأنت أنت من يحدد زمان ومكان وكيفية استعماله …
قلمي العزيز … جفيتك ولم تبالي … وعدت إليك فكنت كما عهدتك جاهزاً للكتابة …. فما أروعك من صديق !!!

كرَّمك المولى في كتابه في سورة سميت باسمك وكرّمك العلماء بأن جادوا بما جدت عليهم من الطاعة حين خطّوا بك معاجم اللغة وأمهات الكتب والمراجع …
تطور العلم فاستغنى عنك الناس ” بالفأرة ” ولوحة المفاتيح ولكنك ما زلت الأداة الأقوى والسلاح الذي لا يستطيع أحد أن يغلبه .
فأنت السهم الذي يطلقه الكاتب والشاعر والناقد والأديب من على صفحات الكتب والصحف والمجلات … الى عقل كل ذي لب حكيم أو قلب كل معتد أثيم عجزت الأيدي عن مصارعته ، فصرعه القلم بمداده …
بك أيها القلم نصنع التاريخ ونشطبه وبك نبني القصور وندك الثغور … وبك نبني جيلاً مؤمناً عالماً وبك نهدم اجيالاً إن اردنا ذلك …
بك تكتب الدساتير والشرائع ومنك نبعت المعرفة على مر العصور … تغزل بك الشعراء وجادت بك القرائح …
أنا الذي تعرف البطحاء وطأته والسيف يعرفه والرمح والقلم
قالها المتنبي ، الشاعر الكبير ، معتبراً القلم سلاحاً لا يقل أهمية عن السيف والرمح … وهو حقاً كذلك!!!
لقد كانت جفوتي لقلمي دافعأ لحبه فأنا أحب قلمي … وأعتز بصداقته …