تغزل الشعراء قديماً بالمرأة ولا يزالون . انفرد البعض في وصف العيون والقدود ومنهم من تغزل بشكل عذري ، ومنهم من تمادى في غزله الى أبعد حد كالشاعر الراحل ” نزار قباني ” ومن بين هؤلاء وجدت لنفسي طريقاً للتغزل في الوطن وهو عندي أسمى وأغلى من ذكر النهود والقدود والخدود …
في عيون فلسطين أرى أطفال الحجارة وهم يرقبون صولات وجولات دوريات الطغاة … أرى في أعينهم تصميماً على المضي قدماً نحو تحدي الطغيان … أرى فيها الأمل الذي يطلون منه على المستقبل ليصبحوا قادة هذه الأمة ورجالاتها ، وقد تربوا على المواجهة والشجاعة والإقدام وبذل النفس رخيصة لأجل عيون فلسطين .
عطر فلسطين عطر مميز برائحته فقد اختلطت بالثرى الذي يضم في ثناياه أجساد الأنبياء و الشهداء على مر السنين . اختلط شذى الليمون واللوز والبرتقال والزعتر بعرق الأمهات اللواتي أنجبن هؤلاء الأبطال ، مما تعذر على دور العطور العالمية تقليده أو اتخاذه علامة مميزة لها في الأسواق .
خدود فلسطين وردية لأنها امتشجت بابتسامة الأطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد وقد احمرت خجلاً من مواقفنا المتخاذلة ونحن نراهم يدافعون عن شرف هذه الأمة ولا نحرك ساكناً .
قوام فلسطين شامخ كالطود … شموخ جبل الكرمل وهو يحملق في شمس حيفا الى أن تختفي أمامه في المتوسط . شموخ نهر الأردن وهو يجري نحو الميت ليختلط بمياهه دون كلل أو ملل . شموخ عيبال وجرزيم وهما يحتضنان نابلس الأبية . شموخ الأقصى بمآذنه التي اشتاقت لنداء المسجد الحرام لينطلقا في أذان واحد ….
دموع فلسطين تسيل كالندى فجر كل يوم لتودع شهيداً أو تستقبل وليداً … دموع تهز المآقي وتناجي البعيد البعيد … تطل بالفرح من أعين الصبايا التي اكتحلت بعتمة الليل … وما أطول هذا الليل …
شعر فلسطين كليل فلسطين طويل … فاحم … لا زالت الصبايا تعشق تسريحه وتجديله وتعطيره بزيت الزيتون الذي باركه الله .
رموش فلسطين ليست ككل الرموش فهي كالسيوف المشرعة ، انتصبت في وجه قتلة الأنبياء والرسل لتدافع عن أرض الإسراء والمعراج … يقظة دائماً … لا يهزها ريح ولا يخيفها صريخ … هي للأقصى مظلة …
خصر فلسطين ممشوق كالخنجر اليماني ، قلدته الصبايا … وتعود على رؤيته الشيوخ … أما الشباب فرفضوا أن يكون خصر فلسطين بغير خنجر فاتخذوا غزة خنجراً وزرعوها في خاصرة اسرائيل للابد .. لا تستطيع التنفس إلا منها وبها .. فهي الرئة التي لا بد أن تتنفس منها الهواء الغزاوي الممزوج بعبير البرتقال اليافاوي .. كي لا تنسى يوماً أن الأرض لا تقبل القسمة على اثنين .
وحين نجمع الصفات التي ذكرت في هذه الغزلية نجد أننا أمام أجمل مخلوقة طينية صُنعت بيد خالق جبّار … حباها وقدس ثراها … تلكم هي فلسطين التي لا يجوز أن نساوم على حبة رمل من ترابها الطهور الى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
وكل غزلية وبني كنعان بألف خير ….