رحلة الحرف …
بين الحرف وبين الكلمة علاقة وطيدة لا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر فلولا الحرف لما كانت الكلمة ولولا الكلمة لما كان للحرف شأنٌ.
عندما يصطف الحرف مع الحرف تخرج الكلمة مدوية … وقد نعجب لكلمة قالها صاحبها في مناسبة ما ونسيها… فترانا نرددها في كل مناسبة . ولا ننسى أن العرب كانوا يطلقون لفظ( الكلمة) على مقطوعة شعرية أو نص نثري كالخطبة أو الوصية أو غير ذلك .
فما الذي يشدنا يا ترى الى تلك الكلمة دون غيرها … ؟؟؟
هل هي رحلة الحرف مع الحرف في بحر من الكلمات ؟؟
أم هي الحكمة التي يتصف بها صاحب الكلمة ؟؟
جعلتنا نقول أن فلاناً أقدر من فلان على التلاعب بالحروف وصياغتها أو أن نقول أن هذا كلام صعب الفهم وذاك كلام واضح وصريح … وهذا كلام هابط وذاك كلام رفيع المستوى… وهذا كلام معسول وذاك كلام.. وكلام … وكلام …
الكثيرون منا يذكرون قول الفيلسوف الفرنسي ” ديكارت ” أحد رواد الفلسفة الحديثة – أنا أفكر إذن أنا موجود – ما الذي جعلنا نردد هذه العبارة بمناسبة أو غير مناسبة .. مع أنها لم تُقل بالعربية . هل هي الحروف أم المعاني أم الكلمات أم ما اشتملت عليه من الأفكار .
إن ما ينطبق على الفلاسفة ينطبق على رواة الحديث وأرباب الفكر والأدب والشعر … كل ما لديهم من عتاد هو ثمانٍ وعشرون حرفا هو مجموع حروف اللغة العربية . تحلق عالياً وتدور في عقول الكثيرين إلى أن تقع بين أصابع كاتب أو مؤلف أو فنان أو شاعر أو عالم ليصبها في بوتقة جميلة قد تخرج قصيدة عصماء أو مقالة أو فكرة أو مثلاً أو خاطرة أو نظرية …
لقد صاغ هؤلاء الكثير من المؤلفات والمجلدات والموسوعات حتى ضاقت بها المكتبات ولكن صدورنا لم تضق بها.. لقد نطق هؤلاء بأعذب الحروف وأجمل الكلمات … التي نستشهد بها في مجالسنا وخطبنا وأحاديثنا عاميها وفصيحها يوماً بعد يوم ولحظة بعد لحظة .
قال الشافعي رضي الله عنه :
زن من وزنك بما وزنك وما وزنك به فزنه
لم يخرج هذا البيت عن المألوف الذي سار عليه الشعراء من القافية والصدر والعجز ولكنه خرج في الرقصة الرشيقة المتناغمة للحرف …
أنا لست محللاً أدبياً أو ناقداً شعرياً ولكني أتذوق فن القول …
وقد جاء القرآن الكريم بما فيه من معجزات لفظية وعلمية وقرآنية على لسان أصدق البشر نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم مبنياً على الحرف الذي هو أساس الكلمة ليسبق بذلك أقوال كل الحكماء والفلاسفة يونانيهم ورومانهم والأدباء والمفكرين عربهم وعجمهم في أكبر تحدٍ في تاريخ البشرية الى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
إنني أعشق تلك الحروف أ .. ب … ت .. واعشق الكتابة بها .